
بيان حول “التصحيح”
لجنة الامتحانات والانقلابات المقدّرة (من شر القدر[1]).
في السادس أغسطس الماضي، أقدمتم على إجراء "التصحيح". نحن لا نشكركم، فأنتم تشكرون أنفسكم بما فيه الكفاية وزيادة (افتحوا التلفزيون). لكن هذا يعني أن الامتحانات أيضا قد جرت. بالمناسبة نحن نعذركم، من ناحية اختيار التوقيت فربما كان ظنكم أنه نهاية "السنة السياسية" وكان لابد من إجراء امتحان خاصة بعد سنة بيضاء انتقالية. بيد أن الشعب المسكين، وكله حزن وخجل، يريد أن يرفع إلى علمكم بعض شكواه، ويرفق لكم بعض التوضيحات التي يراها ضرورية:
المسكين يريد، وكله أسف، أن يخبركم أنه سقط. يريد أن يقول أنه رسب.
أولا، بوده أن يلفت انتباهكم، إلى النتائج الكارثية التي ترتبت على "تصحيحكم" المتعسف، بعد ذلك سيضع بين أيديكم، حقائق لو كنتم تعرفونها أو تؤمنون بها ما كنتم لتأذوا المسكين بهذا الشكل، وتعاملوه على نحو ما سبق.
أيتها اللجنة المجلس:
لقد وجد الشعب نفسه، بعد التصحيح صفر اليدين من حلم طالما راوده وهو أن يحكم. هو يعرف أنكم في اللجنة ربما تحضرون الآن لإقناعه بأنكم لا تحكمونه بل تقودونه وحسب، فمثل هذا الفكر ربما يكون "ملك الملوك والمنظرين" ترك بعضه لديكم. ولكن "الأخ" الشعب يعلمكم أنه ليس أغبى من "الأخ القائد"، ورغم رسوبه فإنه يفهم في كثير من المسائل، والظروف وحدها، كما سيوضح لاحقا، هي ما جعله يسقط ويرسب. بصراحة لقد تركت هذه الخسارة وحدها في نفس الشعب جرحا غائرا لا يندمل. فالمتعة التي كاد أن ينعم بها، تعد اليوم من ألذ فواكه الدنيا وأطيبها وتدعى "الديمقراطية". وبالرغم من أن منبتها الأصلي، كان في بلاد الإغريق النائية - زمانا أكثر منها مكانا- إلا أنها تستنبت وتزهر وتثمر في الصحراء وفي حضن أية تربة أخرى، ولا تفقد طعمها ومذاقها إذا سقيت بماء الحياة والمكرمات.
من جهة أخرى، فإن الشعب بعدما أجال الطرف ونظر يمنة ويسرة، مقلبا أوضاعه المادية والمعنوية لم يستطع أن يقنع نفسه بغير الحقيقة المرة، ولم يجد بمقدوره التعالي على واقعة الرسوب المؤلمة. وهو يعترف، بعد تفحص كل النتائج التي حصل عليها، ويخبر نفسه ويخبركم أنه سقط. كما يشكو بشكل خاص، مبديا استغرابه، من النتيجة الفضيحة التي حصل عليها معكم في مادة الاقتصاد. لقد سمعكم تقولون أن هذه المادة بالذات، لا خوف منها ولا حزن على دروسها التي كانت تقدم من طرف الجهات المانحة. وظن أنها ستكون آخر شيء يمكن أن يخشى منه، حتى إذا به – بعيدا عن الأوهام- يعاني مشاكلها المزمنة، ويتجرع مرارتها الزائدة بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية.
الشعب يعرف أنه صبور، لكنه يعرف أيضا حدود الصبر. وحيث لا يمكنه السكوت على ضياع مستقبله، فإنه يوضح كذلك أهمية أن يكون هناك حل وحل استعجالي، حتى وإن كنتم لا تحبذون هذه الكلمة. وهو بالإضافة إلى مادتي "الحكم الديمقراطي" و"الاقتصاد الجزئي الكلي" يحز في نفسه ما يرى من نقاط متدنية يسبقها اسمه على لائحة "الشفافية" و "القضاء على الفقر" وغيرها الكثير. بناء عليه، لا يسعه إلا أن يشدد على العار الذي لحقه، والورطة التي وضعتموه فيها، مؤكدا أنه لولا الطريقة والظروف التي اكتنفت هذا "التصحيح" المجحف، وعدم شرعية الامتحان الذي خضع له، لما وقع في هذا الحرج الذي يلازمه اليوم في ظل أسرته الدولية.
كما يؤلمه كثيرا، أنه خيب ظن الصحف وظن كل الذين توسموا فيه النبوغ، وتوقعوا أن يكون مثالا يحتذى ويشبه سعيد ذلك التلميذ المجتهد الذي لا يسبقه أحد، والذي يطلس السبورة أولا، ويمحو ظلام عهود الأنظمة الاستبدادية. وبقدر ذلك يزعجه أن يتشفى فيه أعداءه، وينجحون في السخرية منه في عقر داره.
إعادة “التصحيح”.. تصحيح الوضع
أيتها اللجنة المجلس:
تلك كانت بعض النتائج التي حصل عليها التلميذ المسكين المدعو الشعب، وما يترتب عليها من آثار حسية ونفسية يواجهها اليوم بصبر ينفد. وهو يريد التنبيه إلى أن الأسباب كثيرة، ويسرد هاهنا ثلاثة منها يعتقد أنها تقوض مشروعية الامتحان من الأساس:
1- المدرسة التي كان الشعب قد دخلها قبيل "التصحيح" هي مدرسة حرة مدنية ذات نظام داخلي ديمقراطي، و"السنة السياسية الديمقراطية" يمكن للتلميذ خلالها أن يراجع ويناقش. كما أنه في مدرسة كهذه تتاح فرصة نادرة للطلاب تتمثل في إمكانية معاقبة الأساتذة والمصححين. والامتحانات في إطارها تجري من كل خمس سنوات على الأقل، ولا "يصحح" الأساتذة فيها بأقلام رصاص البنادق والمدافع .
2- من غير المعقول أن يدرس المرء في مدرسة كتلك، لتجرى له الامتحانات ويصحح له في مدرسة "الأركان العسكرية"، حيث الاختلافات بين المدرستين تبلغ حد التناقض الصارخ. يجدر بالذكر أنه في "المدرسة السياسية العسكرية" لا تخضع الأمور لنظام زمني، فقد تطول حتى تبلغ عشرين سنة مما نعد، وقد تقصر حتى لا تتجاوز يوما أو يومين. وهذا ما جعل الشعب يصبح نافرا منها، فهي إما مملة طويلة عريضة أو خاطفة لا يمكنه أن يركز خلالها، خاصة بعدما جرب المدرسة النظامية-الحرة.
3- يقر الشعب أنه لم يتم إخطاره قبل "التصحيح"، ونقل قسرا إلى مدرسة لا يسعى للمتابعة فيها. لذلك فإنه يتسائل في أعماقه وبأعلى صوته هل يتعلق الأمر بتصحيح أم بعقاب قاس يخضع له؟.
هكذا فإن الشعب الفقير إلى رحمة ربه، والذي أحب مدرسته "الديمقراطية" وسعى لها سعيها، يصدر للجنة الامتحانات والانقلابات بيان التنديد هذا وملتمس الشجب ( ويتمنى من الله أن تسمعه، فهي لم تنصت من قبل لغير بيانات المساندة) موجها لها ندائه ومطالبته بضرورة "إعادة التصحيح" بل تصحيح الوضع برمته. الشيء الذي يترتب عليه:
ـ حل اللجنة نفسها، كما عينت نفسها.
ـ عودة الشعب إلى مدرسته، وإلغاء "التصحيح" الذي لم يخرج منه بنتيجة مرضية.
ـ الاعتذار له ولأساتذته في المدرسة المدنية.
ـ " توبة" اللجنة ومصححيها، مع التأكيد المزدوج على نية عدم العودة.
يبلغ الشعب سلامه إلى من سيهتم لأمره.