
بتاريخ 5|5|2009 على رأس حزب سياسي هو "الإتحاد من أجل الجمهورية" ومن المتوقع أن يعود
للقصر الرئاسي بعد انتخابات 6|6|2009 المزمعة رئيسا للجمهورية، فهل يكون في طريقه
لأن يصبح "رجلا لا يخاف"، بهذه المناسبة ننشر النص لعل فيه عبرة وشيئا ما للتأمل.

وصل السنيور بريسيدانتي, إلى قاعة واسعة، جميلة .. تشي بالأبهة. ألقى بظهره إلى وسادة عريضة لأريكة فخمة ..وسادة تشبه الوسادة الخالية. وهو الآن يستعد لإتحاف ضيفه الذي وقف لمصافحته بعدما كان جالسا في إنتظار أن يخرج إليه من الحمام هو وحراسه..الآن سيتحفه بحكمة اليوم والعصر.
يبدو مطمئنا أكثر وقد ألقى بالكثير من مناوئيه في غيابات السجون و المنافي ..وأجرى تعديلات جوهرية على الجانب الذي يليه من الكرة الأرضية بمناسبة الحرب ضد الإرهاب..يبدو في هذه اللحظات بالذات أكثر غبطة, وربما راضيا بالإنتهاء من الترميمات التي كان يجري..و واثقا من أنه قام بها على أكمل وجه.
سوف لن يخجل لا من نفسه و لا من شعبه, عندما يلتقي بزملائه في "طاولة منهتاتن", سوف لن ينكس رأسه, لن يكون ذلك الرجل الذي غلبته إرادة شعبه و لن يلحقه عار كهذا. سوف يكون مرفوع الهامة وهو ينحني في الإجتماع القادم. سيتلقى التهاني , وقد يقلد العديد من شهادات الدكتوراه الفخرية..دكتوراه في الحكم الرشيد..دكتوراه في محبة السامية..وفي الرفق بالحيوان..و أخرى في السير على طريق العلمانية. ستشيد به منظمات دولية و قد يوصف بحمامة السلام الصحراوية , و أستاذ الهندسة الذي يمحو القاعدة من أشكاله البيكاسوية الغريبة.
ها هو الآن في بذلته الراقية الباريسية , و ربطة عنقه من متجر يهودي في نيويورك ..وهي مخططة بين الأزرق و الأزرق الفاتح, حذاؤه الأنيق الجديد من ماركة أسترالية مقرها في لندن..ألوان طيف و شواش تختزل تنوع الثقافات و وحدتها و يذكر بالتحالف في سياقات الحرب على كل شيء لأن الإرهاب كان يمكن أن يكون كل شيء كما يعرفه قطب هذا الزمان الوحيد.
في ديكور القاعة ..الشيء الوحيد الملفت للانتباه هو تلك المكتبة المصنوعة من حطب الغرغد و المذهبة..و هي تكتظ بكتب يبدو أنها قيمة.المكتبة تتألف من مجلدات كتبت عناوينها بماء الذهب و عند الاقتراب منها تتضح الحروف الصفراء..يبدو أنها حروف مقلوبة..إنها أبجدية لاتينية. المكتبة الأنيقة لا تحتوي سوى مؤلفات أجنبية بالفرنسية و الإنجليزية و العبرية. من بين الكتب يمكن أن تتبين عناوين من قبيل كتاب "الأمير" و "الكاماسوترا" ليس هناك على أية حال كتاب "الاستبداد" و لا وإن كانت هناك مسرحية "دون جوان" لموليير, وبعض كتب إعداد الوجبات.
يذكر أن القاعة تبدو عليها آثار ترميم طفيفة جرت لاستبدال بعض الأعمدة العملاقة التي تقوم عليها بأعمدة من النفط والغاز, فقد كانت مبنية من الحديد و النحاس, و يجري طلاء أجزاء من قواعدها بالذهب الأصفر ..أو اللون الذهبي على الأقل كما حصل مع قاعدة الحرس الوطني التي كانت ملجئا آمنا و بردا و سلاما في نار ليلة ذبيانية. كانت الثقوب التي خلفها الرصاص تعلق عليها مراسيم جديدة تغطيها في شكل لوحات يزين الجدران ..مرسوم بقانون المساجد..و محاربة الإسلاميين ..بالإضافة إلى مرسوم إنشاء وكالة لتشغيل الشباب أو شغلهم ..جنبا إلى جنب مع عشرات رخص التنقيب عن المعادن الثمينة لاستخراجها و تصديرها للضفة الغربية بصفة حصرية, بما في ذلك معادن الرجال النادرة لزيادة حركة سير الأموال..و السيولة النقدية في البنوك الوطنية و السويسرية على حد سواء ف" العالم قرية واحدة".
كانت بعض المنشورات الموضوعة على بعض المناضد المتناثرة في القاعة تحوي في أغلبها أهم الصيغ و القوانين التي سنت في أنحاء العالم خلال السنوات الأخيرة, و أغنت المكتبة القانونية بعشرات المواد التي صدرت بالتزامن في إطار حملة المعرفة للجميع, عفوا..أعني حملة محو الأمية..لا عفوا أيضا, أقصد مكافحة الإرهاب و الأصولية ـ وليست الوصولية ـ و الدعوة و الدعاة. أعتذر عن الغلط الأول والثاني, الظاهر أن العناوين تتشابه لم يعد يمكن التمييز في الحقيقة بين الكثير من التسميات و المسميات , ولا شك أن هناك أزمة في اللغة, ربما مؤداها العودة لنظام الازدواجية العتيق و إهمال العربية, أو هي أزمة مصطلحات وطنية و أخرى دولية..لا أريد الخوض في شجون الترجمة ولكن للأمانة لا بد من قول ذلك .
في بعض زوايا القاعة, صفائح مصقولة معلقة من الألمنيوم غير المخصب طبعا, لأن هذا ليس موسم اللقاح, و هذا الأمر متروك للرياح إلى أن تأذن به , و أغلب الظن أنها لن تفعل قريبا. المهم أن عليها رسوما..ليست رسوما جمركية..إنها رسوم من الماء و النار..تظهر الجماهير الغفيرة و هي تصطف في استقبالات لسيادته, لقطات من زياراته المختلفة و التي تقيم بملايين الدولارات.
هناك أيضا جداريات مؤطرة , بعضها زيتي تم تلوينه بمزج بعض المواد الغرائية و أخرى حافظة مع لترات الدم البشري..من كل الفصائل, و أخرى مائية صنعت بشكل مثير بفضل تطور صناعة الدموع..التي حفرت آبارها خصوصا في جنوب شرق البلاد, دموع الأهالي , و المعتقلين, و المتهمين, و حتى الخائفين من أن يوضعوا في قفص الاتهام تحت اسم المحاولة رقم واحد أو اثنين أو ثلاثة, أو 21 .كانت تلك الوجوه التي تظهر في هذه الجداريات ترمي بشرر و تضيء ببريق لا يشي إلا بوعيد على أهبة الانطلاق عبر طريق الأمل ..أو طريق الجامع ..أو كل الطرقات التي تؤدي إلى روما, لتقليم الأظافر التي تجرح وجه الأرض الذي كان طيبا و وقورا..و وجوه البشر, و حتى وجه التاريخ الذي تصنع ملامحه قيم خالدة. وعيد بتكسير سيقان العرش الديمقراطي, الملكي , القبلي, العشائري الذي يعجز أساطين منظري القانون الدولي و النظم السياسية عن تصنيفه.
في القاعة مرة أخرى, كانت الفواكه مرصوصة على صينية كبيرة ..رسمت في وسطها خارطة الوطن..و منارة شنقيط, و يذكر أنه في كل الحفلات و المآدب و سهرات العشاء الباذخة التي تقام على شرف الأجانب, تقدم أطباق من المأكولات من كل صنف في أواني من هذا النوع, و الجود بالنفس أقصى غاية الجود.
كان الطرف الآخر في المقابلة مع السنيور بريسيدانتى, و الحصرية إلى أقصى حد..حتى أنها حصرية عن البث و النشر, شخصا يحمل جنسية بريطانية و هو عربي مسلم من أصل عراقي و من أم أفغانية.. يعرف الجبال و الحجارة, و الحرارة التي تصل 50 درجة في أيام بغداد الصيفية. يعرف أيضا جبال الجليد الفارغة. وقد حصل على هذا السبق نتيجة خطأ فني .
انطلاقا من آخر التطورات الميدانية لم يحاول أن يبدأ بالسؤال ..و إنما بالتساؤل الذي تطبعه الشفقة.. لأن الرجل مقيم في هذا البلد منذ نعومة أظفاره, عن مغبة سلسلة الخطوات الأخيرة التي قام بها السيد الرئيس و عن آخر صيحات موضة التغيير لديه.
□ سيادة الرئيس, ألا تخامرك الخشية, و أنت تخطو هذه الخطوات, من السقوط في الهاوية. مثل هذه القرارات المتتالية كضربات حادة على طبل مشدود, ألا تدق لديك ناقوس الخطر, خاصة و أنها نشاز في آذان سامعيك فيما أظن؟
■ لا تخف علي إن كانت الشفقة هي ما يحرك لسانك بهذه الأسئلة الغريبة.
□ سيدي , ألا ترى أية بوادر لأزمة حادة في الأفق؟
■ مع ذلك سأجيبك, و لو أني لا أفهمك كفاية. السماء وردية تماما فيما أرى.
□ سيادة القائد, و هل يبعد لون الورد كثيرا عن لون الدم؟
■ في الحالة التي أحدثك عنها, نعم يبتعدان, لأن سياساتنا الحازمة تكفل وجود ذلك الحد الفاصل.
□ سيدي هل لي أن أعبر عن حزني عليك, إن كنت أرى أنك قد تسقط في مهوى الغرور؟
■ يا ولدي لا تحزن..لن أسقط ..وإذا سقطت سأصل واقفا, منتصبا, و لن تتكسر لي ركبة كما حدث ذات مرة.
□ سيدي ...؟
■ ها.. ها ..ها ..أنت طفل. أنا متمسك إلى أقصى حد, و متشبث, و إن تقطعت كافة الحبال و سقطت كما تزعم أو تتوهم, أو تنذر, من تحتي الشعب و كله معجبين سيتلقفونني بالأيدي و فوق الرؤوس و يصعدون بي.
□ سيدي, الهاوية قد تكون أعمق و أسوأ مما تتصور ؟
■ ليس مهما إن كنت تكلمت قبل أن أسمع أو انطلقت من غير ما أردته أنت .. عليك أن تتبين وجهة نظري أنا, هذه مهمتك أليس كذلك؟ و أنا أزعم بالمناسبة أن كل وعاء بما فيه ينضح. إن تاريخا عريضا من السقوط علمني أنه يصنع الارتفاع ..المفاهيم نفسها قد تكون مختلفة و تحقق الغاية ..يبدأ البعض من بداية البداية, و يبدأ آخرون من منتصف الطريق.. و النهاية هي النهاية..
□ عفوا, سيادة الرئيس..
■ لا عليك ..فقط أستغرب أن تحذرني من هاوية, و الهوى هواي.. و على خلاف كل الرجال و الواقعين في شباك ..أي شباك.. فأنا أملي شروطي على الهوى فكيف بالهاوية. السابقون في قافلتي علموني كيف لا أخشى شيئا كهذا. تجارب طويلة تلك التي أتكئ عليها في صياغة رؤيتي شخصية.. و سلالية: أجدادي للتذكير منهم تشاوشسكي.ربما لا نملك نفس المنظور, أنت ترى من جانب لأنك تحت, و أنا أرى من فوق لذلك تنعدم أبعاد الصورة الكارتوغرافية لدي. أعرف جازما أنك تحس بارتفاعي و تقدر خطورة السقوط بالنسبة لي .. لكن اطمئن أنا عندي عيوني التحتية .. التي توجد على نفس ارتفاعك عن مستوى البحر.. و معها البارومترات و مقاييس ريختر.. و كيسنجر. هل يمكن أن تتصور معي أنه في مرجع غير عادي لا يتكون من مستقيم عمودي.. و آخر أفقي يمكن أن تتبدل بعض المفاهيم.. أنت تعرف و إذا كنت لا تعرف سأخبرك بأن الوصول إلى القمة قد يكون بالوصول إلى القاع. ألا تتصور أن الوصول بالنسبة لمثلي إلى قاعدة الجماهير هو بحد ذاته الوصول إلى الارتفاع؟
□ سيدي, الموضوع...
■ أعرف أنه كانت تكتب البسملة أولا, و التاريخ الهجري.. ثم المادة و الموضوع, قبل كل شيء و كل درس.. ولكني لا ألقي درسا مع أن العصر تجاوز تلك الأشياء. ما ألقيته عليك هو مجرد تطمينات و أؤكد أن البقاء للأصلح.. حتى و إن جاء صالح .. البقاء قلت لك للأصلح.. و أعتقد أني أنا هو.
□ سيدي الرئيس.. هل تسمح؟
■ لا الرأي عندي واحد, حتى و إن سمحت لك.. و سمحت لك.. و سمعت كل الآراء ..آراء كل الناس, يبقى رأيي واحد كحزبي, و إن تعددت الأحزاب فالحزب واحد, و أنا لا آخذ سوى برأيي. الرأي كالرئيس واحد, قد يترشح أشخاص للرئاسة و لكن الرئيس يظل واحدا.. دعنا من التبديل, أليس عيبا, ألا يعني الاختلال..؟
□ سيدي ..لو ..؟
■ لو التي تفتح عمل الشيطان.. أم تنهي طموح الإنسان, أنا لا أتردد. و لا أجد ما يجعلني أتردد.. ليس هناك ما يرغمني على التراجع. إذا نزلت إلى أي عمل غير مرضي, فتلك إرادتي و أنا حر.. و إذا صعدت فتلك سياستي, ألست المسئول عن الشعب, أنا أدرى بسكة القطار..و إن بقينا في دوامة الإعصار.
□ ســ... و لكن الشعب؟
■ ماذا في وسع الشعب.. أنا أدرى.. و أنا ولي الأمرـ عليك بالإطلاع على الفتاوى في هذا الشأن ـ من الأقرب مني لسيف الذود عن قيمة.. و لكن السيف في نظري مكسور.. لنبني ناطحات السحاب.. و نبتعد عن مشاكل العوالم السفلى.. و الصفيح و القصدير.. و نبتعد عن السيوف و اللحى.. أنا لست دون كيشوت.. كما أنني لست أسامة بن لادن الذي يضحي بثروته و نفسه أنا براغماتي إلى حد ما.. و شاب موهوب أطمح للاحتراف في نادي باريس, اللاعب الجيد يعبر البحر الأبيض المتوسط.. أو الأطلسي.. ذلك هو البرهان القاطع و الدليل الوحيد على مقدراته.
□ سيدي.. لا تقل؟..
■ عندما تعيش عمرا من الحكمة.. فلن تتوانى في الإيمان بها.. أقصد أنك حين تمضي ـ لا قدر الله ـ عقودا, في كرسي الحكم, كلما قلت شيئا نشر على أنه حكمة.. وصارت أحاديثك "مجمع الأمثال".. و أصبحت كلماتك "العقد الفريد" تحت أي عنوان كان ذلك :"حكمة اليوم" أو العام أو السنين. عندها تصبح خطاباتك تاريخية كلها و دون استثناء, حتى أنه لن يكون لك واضحا ما هو غير تاريخي, لن تعرف غير الحكمة.. و لن تعرف لون الظلام مطلقا إن كان موجودا في الخارج.. لأنك تعيش عصر الأنوار.
لذلك و غيره.. أعتقد أني مخول لأن أتصرف ـ هكذا يقول المنطق ـ انطلاقا من قناعتي.. مادامت هي قناعة الشعب ـ لا فرق ـ ألم يقل الشعب دلك بنفسه.. ما المخوف إذن؟ ما البأس؟ إذا التقت الإرادتان و صفقت اليدان معا...
□ هل يهتز يقينك سيدي.. في صدق هذا الواقع.. و مصداقية العامة و ربما الحاشية ..و هل بت تعرف أنه واقع افتراضي؟
■ لا أنا لا أشك من هذه الناحية أطمئنك.. لا تعتقد بناء على ما قلت لك قبل قليل.. لا تعتقد بأنه اعتراف من أي نوع.. أنا لم أقل لك سرا و لكن هذا الأمر الذي قد تراه انتقاصا من ثقتي.. و شكا في قيمتي الحقيقية.. أنا لا أنظر للقضية من هذه الزاوية.. في نظري أن هذا الشيء واقع.. و لتكرار الأمر أصبح واقعا. فحتى و إن لم تكن أقوالي في الماضي حكيمة.. فالحكمة اليوم لا تعني سوى أقوالي, إن التعاريف و القيم يصنعها البشر.. أو هي تتولد لديهم نتيجة تراكم زمني.. أنا أعتقد أنه حتى و إن لم تكن كلماتي تحولت ذاتيا, أو أوتوماتيكيا إلى حكم, فإن أدمغة الشعب و عقلياته و مبادئ فكره هي التي تحولت لتصبح أقوالي بالنسبة لها حكما.. هكذا تقتضي حتمية و غريزة التكيف ..و حتى و إن كان الأمر بدأ نفاقا فقد أصبح واقعا و الواقع هو الحقيقة الوحيدة التي أتعامل معها.. و الواقع من جهة أخرى واضح جد واضح...
□ يقول ناعوم شومسكي : إذا استمر شيء معين يكرر على أنه واضح فالأحرى أن يكون هذا الشيء زائفا في شكل واضح ـ ما رأيك؟
■ يمكنك الاتصال ب"دروب النماء", يبدو أن القائل ألسني .. و أقترح عليك أن أسألك أنا بالمقابل: هل هذا الرجل معارض و هل يقيم بفرنسا أم بوركينافاسو؟
□ أعتقد أنه معارض و حسب .. و لكنه من أصل جمهوري.. لأنه يهودي..
■ هل قال شيئا ذا بال غير ما سبق و قلت؟
□ قال الكثير و الكثير و كتب في نقد أمريكا و غطرستها, و ضد الاحتلال الإسرائيلي, و عنف الآلة العسكرية الصهيونية ضد الفلسطينيين العزل .. و كذلك انتهاكاتهم المخجلة للإنسانية ككل و التي تمارس في أرض مقدسة , يحتمل أيضا أن يكون ضد وجود سفارة للكيان هنا.. من يدري؟
■ هل هو معتوه .. ألم يذهبوا به إلى "مصح عقلي" أو "سجن بيله" أو أبو غريب .. الظاهر أنه مجنون أو سيء الحظ, كيف يكون يهوديا و لا يحمد الله و يصمت؟
□ ليس بعد ..ليس في السجن حتى الآن, إنه ليس هنا بل في واشنطن..
■ و يعيش في واشنطن أيضا.. إنه "ملعوق"(منحوس).. كل هذه الامتيازات و يرفع عقيرته ضد وطنه.. ضد أمريكا و ابنتها المدللة ..محبوبة الجماهير التي نغازلها جميعا ..
□ سيدي الرئيس, دعني أعود لألعب دوري, أنا الذي عليه أن يسأل و أنت تجيب. و عودة لتساؤلك السالف قبل لحظات عن ما المخوف؟ و ما البأس؟ و أنت و الشعب كثرة أسماء فقط.. أقول : سيدي الشعب مارد نائم و في جسده منطقة محرمة, لو داعبته حتى بلمسها قد ينتفض, قد يلقي بك في الهوة, في قاع القاع.. قاع المهانة.. دعك من أي تصور عاطفي أو إيروسي... سيكون الأمر لا محالة دراماتيكيا.
■ ليس الشعب نائما حتى يستيقظ. إنه منوم ليس تنويما مغناطيسيا, بل يقع تحت تأثير منوم حديدي.. قبضة فولاذية. ولو افترضنا أنه كان نائما فقط بشكل طبيعي.. و قد توقظه منطقة ما حساسة أو محرمة كما تقول, فليس ذلك محتملا الآن.. فمداعبة تلك المنطقة جزئيا..شيئا فشيئا لوقت طويل جعلها تتعود.. لم يعد هناك ما يثيره. المسألة مسألة ترويض, و أنا تلميذ وفي لبافلوف. المنعكس الذي حدثتني عنه لطول ما تعود.. لم يعد لديه رد فعل. لقد خضع لسطوة الروتين بمرور الزمن, الآن يمكن أن تهوي عليه بالمطرقة.. و لا تنتظر ردا, انتهى زمن الردود و الخطابات العاطفية.. و معه زمن رد الفعل الثوري.
□ سيدي.. الحديد نفسه الذي تحدثت عنه .. ألا يفله الحديد؟
■ الحديد الذي أقصد لا يفله حديد "كدية الجلد", ليس ذلك ممكنا على الإطلاق, إنه مستورد من مناجم صحراء النقب التي تصنع منها السلاسل و القيود القوية, القيود التي يوثق بها العالم العربي و الإسلامي و حتى عوالم أخرى سوداء و بيضاء.. إنني واثق من كفاءته..
□ سيدي ..أليس هذا حراما؟
■ اسأل الفقهاء...
□ سيدي, كيف تخالف رغبة شعب سودك؟
■ الواقع أني عصامي :
نفس عصام سودت عصاما و علمته الفر و الإحجاما
أما عن مخالفة, فإن الاختلاف رحمة, ألم تسمع بذلك؟
□ سيدي.. أحذرك أن تكسر الحجارة الحديد .. وهو يصنع منها,و تنفصل القيود..
■ القيود قوية بشكل لا تتصوره, و نحن نختار أكثرها صلابة, من لدن معارض دولية تشارك فيها أهم الماركات العالمية, و على سبيل المثال لا الحصر أذكر "البنك الدولي" و "صندوق النقد الدولي", و أصبحنا نؤمن نقلها عبر أرقى شركات النقل ..خذ مثلا طيران "العال".
□ سيدي, لو مضيت معك في هذه التوكيدات, أليست معظم هذه القيود مادية, هل من سيطرة على الروح.. أعني هل تؤكد لي ذلك أيضا؟
■ الشباب, كما قد تكون تعلمت في المدرسة.. هو روح الأمة النابض.. ونحن وجهنا له اهتمامنا و رعايتنا, بذلنا كل جهد في الترفيه عليه, أنشأنا له الإذاعات و المحطات.. والمقاهي و الملاهي.. أعتقد أننا حققننا له الكثير من رغباته و فتحنا الباب أمام شهواته.. لذلك لنا دين في عنقه و أعرف أنه يعرف ذلك. أعتقد أننا خدمناه فكريا و ثقافيا و قمنا على تربيته على ثقافة السلام .. و اللغات الأجنبية.. و احترام "الديمقراطية". إنه شباب واع بضرورة النوم خصوصا في وقت الظهيرة.. ضربات الشمس مؤذية في البلاد الحارة.. و تحديدا في شهر يونيو و ما يليه من شهور و سنوات...
□ سيدي, ألا ترى أن رب ضارة نافعة.. و نافعة ضارة, و العكس بالعكس في دوامة لا يعرف أولها من آخرها و لا رأسها من ساقها؟ ألا ترى أن محو الأمية.. و نشر الكتاب و المعرفة قد تفتح آفاقا غير مأمونة.. و تسمح بتهريب أفكار و حتى منشطات؟
■ الكتاب خير جليس..و إذا ظل الإنسان معه أو ظل هو مع الإنسان قد ينسيه الدنيا و ما فيها ..وحتى صلاته. و الكتاب في النهاية ليس سوى موصل قد نحمله بما يفيد و يكرس ثقافة ليبرالية, بل إنسانية بل نسيانية, ينسى بها المرء واقعه .. ويعيش في خيال و ينسى نفسه, و الكتاب فوق ذلك يمكن أن نصنعه من الإسمنت المسلح.. و الحديد.
□ سيدي, هل أنتم واثقون من تحقيق مشاريعكم المدرة؟
(عفوا.. على لكنتي العربية الفصحى.. التي تنطق الضاد في كل ما هي).
■ نحن كذلك بالتعاون البناء مع شركائنا..
□ هل الشراكة ضرورية في كل شيء؟
■ أخبرك أن التداوي بوصفات معينة نستوردها كغيرنا من مراكز راقية في أنحاء العالم هو أمر ندفع فيه الغالي و النفيس.. لأن مثل هذه الوصفات تؤمن ضمان المصلحة العليا.. أقصد العليااا.. المصلحة المشتركة المزدوجة.. التي تقطف ثمارها القوى العظمى و نقطف نحن كرسيها و الكثير من قطوفها الدانية و النائية. و عندما يقتضي الأمر خلط تلك الوصفات ببعض الأعشاب البلدية و حتى "الكتب" و التعاويذ.. لا نتردد في فعل ذلك. نحن رهن إشارة الطبيب.. أليس ذلك هو السلوك المدني؟
الالتزام بالتعليمات الطبية سلوك مدني, و نحن تخلينا عن البزة, و عن الحكم العسكري.. ألا نكون مدنيين..
□ هل أنت ميكافيلي؟
■ لقد كان ذلك المفكر النصوح سيرياليا شيئا ما ..أنا هو الميكافيريالية.
□ هل أنت سعيد بنجاح مهمتك؟
■ و فخور بملايين القصائد و الأناشيد التي قيلت في مدحي.. الذين افتخروا بي في أشعار خالدة كانوا على صواب.. لأنهم لم يسرقوا الحقيقة..
□ سيدي, هل كنت تؤمن بالبعث؟
■ فقط كنت أعتقد أنه لن يدوم طويلا في الحكم.. لأنه يسبح ضد التيار, و نحمد الله أننا عرفنا خطأ ذلك ..و معنا صاحب النظرية العالمية الثالثة رغم بلادته.. لقد تعلمنا الإبحار مع البحر.. خاصة و أننا على الشاطئ .. على شاطئ الأطلنطي.. حتى أننا اشترينا زوارق عالية الجودة من دولة إسرائيل الناشطة في النقل, و في البحر و الجو.. وبين طبقات الأرض.. بحكم ارتباطها الوثيق من جهة بخطوط الضغط العالي.. و وجودها في الأرض قريبا من أرض الواقع و التطورات اللحظية.
□ سيدي ..هل تنوي الاستمرار؟
■ النية لنا و القضاء لله.. و أرى أنها مسؤوليتنا التي لن نتخلى عنها على قيد الحياة.. و حقنا الذي لن نسلب.. هذه هي الأجندة الثابتة.
□ على ذكر القضاء سيدي.. هل شاهدتم يوما مسلسل "القضاء في الإسلام"؟
■ عندما كان يبث كنت مشغولا بالقضاء على الفقر.. و أتمنى أن أجد وقتا للقضاء في الإسلام.. أعرف فقط أن القضاة الإنجليز يضعون قلنسوات بيضاء .. تذكرني بقلنسوة يعتمرها الروس..و منهم ستالين.. لقد أعجبتني مرة فاشتريت إحداها لا أزال أحتفظ بها.
□ هل حققتم عدالة اللقمة .. أثناء مسلسل القضاء على الفقر؟
■ هذا الأمر غير مطلوب ..ربما يخالف الدستور.. ليست المساواة في شعار الجمهورية كما تعلم.. المهم هو رفع المستوى المعيشي للفقراء و الأغنياء بالمحافظة على التناسب القائم ..هذه هي الرياضيات الاجتماعية.
□ قد يقول الشعب أن هذا غير مقبول؟
■ الرعاء قلت لك ليس لهم قول ..و ما قالوا سوى ما سمعنا و هو أنهم يحمدون و يشكرون جهودنا.
□ سيدي ..أخشى أن تكون الصورة غير دقيقة ..أو سحبت في دقيقة, بعض المصورين يتسرعون ..و يجتزئون البانوراما.. و يعممون أحيانا أخرى بورتريه صغير و يكبرونه جاعلين منه بانوراما للمشهد ككل.
■ الخونة وحسب يفعلون ذلك.. لأنهم يحاولون أن يبثوا رؤى غير موثوقة.. لا تملك دليلا ..بروبغندا محضة, لذلك يزورون الدليل أو يضخمون العينة المكروسكوبية. لكنهم لا يصدقون. نحن لا نحتاج لشيء كهذا ..لأننا ببساطة لائحة الخيار..و القرار.. و القدر.. و الواجب الوطني يقتضي التمسك و الطاعة, و الابتعاد عن البلبلة. إن ولي الأمر في مأمن من تقلبات السياسة.. هكذا جرى العرف المعاصر. أما أن يكون من طرازي و يفهم مثلي كيف يدير حكما رشيدا, فهذا شيء رائع و مطمئن..
□ أحيانا أستغرب أن يحكم رجل.. يا سيدي ثلاثة ملايين نسمة و يتخذ قرارات تنافي طموحاتهم و قناعاتهم و منطلقاتهم حتى.. أية كاريزما و أية حنكة ؟
■ إن أحد هذه الملايين الثلاثة.. هو المليون شاعر .. المليون الثاني هو بين الذين يتبعون الشعراء.. و عشاق الطرب.. و متذوقو الفن و القصيدة .. ويمكن تجنيد هذين المليونين ضد المليون الثالث.. كفانا الله شر الذين لا يطربون.. و شر المتطرفين . و هذه كما ترى في النهاية معادلة بسيطة.
□ خلف هذه السياسة لا بد أن ثمة مبدأ قوي تستند إليه هذه الدبلوماسية ..و لا يسمح لها بالانهيار تحت أية ظروف.. فهل من خلاصة في هذا الصدد لتجربتكم.. سيدي الرئيس؟
■ إذا كان لا بد .. فهي أنني رجل لا يخاف..
□ سيدي الرئيس.. شكرا.. هذه هي الشجاعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا النص هو شهادة على زمن - ولا يزعم كاتبه أنه قصة قصيرة - وهو في النهاية رأي كتب بهذه الطريقة. فقط أذكر بمقولة الكاتب النيجيري الحائز على جائزة نوبل وول سوينكا في هذا الصدد: "لو لم يكن هناك سوى جنس أدبي واحد، أو طريقة تواصل لغوية واحدة، لأصابنا الفناء بفعل الضجر والملل".